المحور الثاني :
العدالة كأساس للحق
إشكال المحور: ما علاقة العدالة بالحق؟ وأيهما أساس الآخر؟
1- أطروحة ارسطو:
العدالة حسب ارسطو تتحدد بالتقابل مع الظلم. فالسلوك العدل هو السلوك المشروع الموافق للقوانين والذي يكفل لكل ذي حق حقه تبعا لتنساب رياضي في حين أن الفعل الظالم هو الفعل اللامشروع المنافي للمساواة والذي يقوم على عم التناسب وعدم التوسط بين الإفراط والتفريط.
وينطلق ارسطو في موقفه هذا من التأكيد على أنه متى كان لأحد الحدين (التعريفين) المتضادين معان عدة، نتج عن ذلك بالضرورة أن الحد الآخر المقابل يمكن أن يحمل بدوره على جهات عدة، وتلك هي الحالة في حدي العادل والظالم... وفي نظره فالسلوك العادل هو السلوك الذي يوافق القانون ويضمن المساواة (لا إفراط ولا تفريط) أما السلوك الظالم فهو السلوك اللاقانوني والمنافي للمساواة، وجلي أن أرسطو يربط العدالة بالمساواة كما أنه يعتبر كل سلوك وتصرف يراعي القانون فهو عادل. فالفعل العادل هو الفعل القادر كليا أو جزئيا، على إيجاد أو حماية سعادة الجماعة السياسية... أضف إلى ذلك أن العدالة لا تنفصل عن الفضيلة بل هي أهم الفضائل وأروع من نجوم السماء وكوكب الصباح، هذا ما يؤكده القول المأثور: "كل الفضائل توجد في طي العدل"، ولكن إذا كان أرسطو يربط العدالة بالمساواة فإن "كاليكلس" على العكس من ذلك يرى أن جوهر العدالة يكمن في أن يكون للأفضل أكثر مما للمفضول، وللأقوى أكثر مما للضعيف...فعلامة العدل في نظره أن يسود من الأقوى من هو اقل قوة منه.
2- أطروحة فريدريك فون هايك (1899- 1992)
في نظر "فون هايك" السلوك العادل هو سلوك يكفل الحق في منظومة قانونية شرعية في إطار مجتمع تسوده الحرية، ويخطئ "هايك" ذلك الميل العادي إلى إطلاق صفة "العادل" على حالة من السلوك تحدث، لأن من ساهم في حدوثها قد تصرف على نحو عادل (أو تصرف من دون اقتراف أي فعل ظالم). ويؤكد أن العدالة لا تكتسب دلالتها إلا في نظام شرعي، ومن تمة فإن ما ندعوه عادة بالعدالة "الاجتماعية" أو العدالة "التوزيعية" توزيع الخيرات بالتساوي هو في الواقع أمر عقل خال من المعنى. إننا لا نزعم بأن قواعد السلوك العادل المرعية في مجتمع من المجتمعات هي قواعد صادرة عن القانون، كما أننا لا نزعم بأن ما يدعى عادة بالقانون يستند إلى قواعد السلوك العادل ويدافع هايك عن أطروحة مفادها أن القانون الذي يرتكز على قواعد العدالة له مقام استثنائي، ففي نظره لو شئنا الحفاظ على مجتمع تسوده الحرية، فإن ذلك القسم من الحقوق الذي يقوم على قواعد العدالة هو وحدة الكفيل بأن يكون ملزما للمواطنين ومفروضا على الجميع.