المحور الثاني: معرفة الغير اشكال المحور : هل معرفة الغير ممكنة أم مستحيلة؟ · موقف نيكولا مالبرانش :
تحليل نص: معرفة الغير معرفة غير يقينية
نيكولا مالبرانش
1-
الإشكال الضمني للنص: هل يمكن معرفة الغير معرفة يقينية أم مجرد معرفة تقريبية تخمينية؟
2-
أطروحة النص: التأكيد على صعوبة معرفة موضوعات النفس البشرية من احساسات ومشاعر معرفة يقينية بل نكتفي بمعرفة تقريبية تخمينية.
3- البنية الحجاجية:
نوع الحجاج | وظائفها |
المثال | الدعم وتأييد فكرة صعوبة معرفة الغير معرفة يقينية |
الإستدلال بالمماثلة | الإعتراض على امكانية معرفة الغير معرفة يقينية بالإعتماد على الإستدلال بالمماثلة أي الإنطلاق من الذات. |
استنتاج: بناءا على ما سبق يمكن القول أن الفلسفة الكلاسيكية لم تفسح المجال لإشكالية الغير ولعل ذلك يعزى إلى التوجه الذي أسسه
"ديكارت" والذي يجعل من
"الأنا أفكر"الحقيقة الواضحة والمميزة وهذا التوجه هو الذي انطلق منه
"مالبرانش" في معالجته لإشكالية معرفة الغير فقد أكد أن معرفة الغير معرفة يقينية تظل غير ممكنة وكل ما يمكن أن نصل إليه هو معرفة تخمينية تقريبية فالقول بمعرفة الذات خارج العلاقة مع الغير جعل
"مالبرانش" يحكم على (الأنا أفكر) بالعزلة فهل حقا معرفة الغير غير ممكنة؟
· موقف موريس ميرلوبنتي:يؤكد الفيلسوف الفرنسي
"ميرولوبنتي" أنه يمكن معرفة الغير في الوقت الذي أعرف فيه ذاتي، فالذات البشرية قادرة على فهم مباشر للنظام النفسي للغير وبالتالي التواصل مع الذوات الواعية الأخرى. وعليه فإن علاقة الأنا بالغير لاتجعل كل منهما موضوعا وتنفي عنه خصائصه الإنسانية فليس هناك علاقة تشييئية، ولكن معرفة الغير كموضوع هي نتيجة النظر إليه من موقع الذات المفكرة التي يقوم نشاطها على التجريد والتقسيم والحساب، وهي كذلك نتيجة النظر إليه بشكل لاانساني بحيث تخضع أفعاله للملاحظة مثل أفعال حشرة بدل أن تتقبل وتفهم ويمكن تجاوز هذه الوضعية بالإعتراف المتبادل لكل منهما بفرديته ووعيه وحريته.
فالتواصل ممكن بين الذات والذوات الأخرى رغم وجود بعض العوامل التي تعلقه لكن لاتعدمه. بهذا يمكن القول أن " ميرولوبنتي" قدم تصورا متميزا فيما يخص علاقة الأنا بالغير تصور يقوم على أساس التواصل والتفاعل والمشاركة الحية مادام العالم ليس هو ما أفكر فيه لكن هو ما أعيشه.
إن الأخر البشري ي بالرغم مما سبق ذكره يبقى متميزا فوراء الجسد تختفي المشاعر والأحاسيس والنوايا التي لاسبيل إلى معرفتها وهذا ما عبرت عنه مدرسة التحليل النفسي أثناء حديثها عن البنية اللاشعورية للإنسان والتي يصعب النفاذ اليها.
خلاصة :مهما يكن من شأن معرفة الغير سواء اعتبرناها ممكنة كما يقر بذلك "موريس ميرلوبنتي" أو مستحيلة كما يطرح "مالبرانش" فإن العلاقة معه أغنى وأعقد فهي علاقة مركبة: عاطفية ، وجدانية ، أخلاقية إقتصادية......
المحور الثالث: العلاقة مع الغير اشكال المحور : هل علاقة الأنا بالغير هي علاقة صداقة أم علاقة صراع؟ تحليل نص : العلاقة مع الغير هي دائما علاقة صراع
الكسندر كوجيف ص: 41
أطروحة النص: يؤكد صاحب النص أن العلاقة بين الأنا والغير لاتقوم على المحبة والصداقة وإنما على الهيمنة والتحكم.
حجاج النص:- البرهنة على أن العلاقة بين الأنا والغير لاتقوم على الشفقة والصداقة وإنما على الصراع من أجل الإعتراف بالذات وذلك من خلال استسلام أحد الطرفين.
- استعارة جدلية السيد والعبد ليؤكد أن الإنسان لايكون انسانا فقط وإنما سيدا وعبد.
استنتاج: إن العلاقة بين الأنا والغير في نظر
"كوجيف" لاتتأسس أو تقوم على مبدأ الصداقة ، المحبة، التعايش بل على مبدأ الهيمنة حيث يسعى كل طرف إلى انتزاع الإعتراف بذاته من الطرف الأخر ولكن هذا الإعتراف لايمنح بشكل سلمي إنما ينتزع عبر صراع يخاطر فيه الطرفان مها بحياتهما حتى الموت ولكن الموت الفعلي من منظور " كوجيف" لا يحقق هذا الإعتراف وإنما يحققه استسلام أحد الطرفين بتفضيله للحياة على الموت وبذلك تنشأ العلاقة الإنسانية الأولى علاقة السيد بالعبد وهي العلاقة المولدة للأنا (وعي الذات) والغير (وعي دات الأخر) في ان واحد والمحركة للتاريخ البشري.
إن ما قدم بين طيات هذا النص غير كاف لتأكيد قيام علاقة الأنا بالغير على الصراع فالواقع يكذب ذلك اذ نلاحظ أن العلاقة بين الأنا والغير تتأسس في حالات كثيرة على الإحترام المتبادل والتسامح والتعايش.
· موقف أرسطو: لقد خصص
أرسطو المقالة الثامنة والتاسعة من كتاب
"الأخلاق إلى نيقوماخوس" للصداقة والسبب في ذلك أن لهذا اللفظ اليوناني معنى أوسع من اللفظ الذي نترجمه فهو يدل على كل تعاطف أو تضامن بين شخصين فيشمل جميع الروابط الإجتماعية من رابطة الأسرة إلى رابطة المدينة إلى رابطة الإنسانية.
والصداقة في نظره ضرورية للحياة فليس من أحد يرضى أو يستطيع أن يعيش بلا أصدقاء ولو توفرت له جميع الخيرات، والصداقة أنواع: صداقة الفضيلة، صداقة المنفعة، صداقة اللذة.. ففي النوعين الثاني والثالث يحب الإنسان ما يحققه من لذة وليس شخص الصديق فالصداقات من هذا القبيل دنيئة واهية تنقضي بانقضاء الحاجة وهذه الأخيرة دائمة التقلب، أما صداقة الفضيلة فهي الصداقة الكاملة الباقية فهي قائمة على بذل الجهد والمحبة وطلب الخير لذاته وليس لغاية ما ولذلك فهي نادرة لندرة الفضيلة ومن ثم لو أمكن قيام صداقة من هذا القبيل بين الناس لما احتاجوا إلى العدالة والقوانين.
خلاصة:· إن وجود الغبر ضروري لوجود الأنا فهو شرط قيام الوجود البشري فالأنا أو الشخص يتشكل داخل هذه العلاقة، إن معرفة الذات تمر عبر معرفة الغير.
· يحما الأنا الغير في ذاته ويوجد في ثنايا تجربته لكنه يواجهه جسديا ورمزيا في العالم إنه الشبيه والمختلف القريب والبعيد الصديق والغريب....
· العلاقة مع الغير لاينبغي أن تقوم على الصراع والحرب وإنما على المحبة والتعايش فالإعتراف بالذات يتم عبر الحوار والتعايش.