الشخص
الشخص هو مجموع السمات المميزة للفرد الذي هو في الأصل كيان نفسي واجتماعي متشابه مع الأخرين، ولعل السمة الأساسية للشخص هي هويته وهذه الأخيرة ليست معطى قبليا جاهزا بل هي نتاج عملية تطورية طويلة مرتبطة بمراحل تشكل الأنا عبر الاحتكاك بالعالم الخارجي واكتساب اللغة، والذاكرة في هذا السياق تلعب دورا اساسيا في تشكل أهم السمات والملامح الوجدانية والذهنية والتفاعلية للشخص باعتبارها ربط بين الماضي والحاضر.
والشخص في التصور الحديث ذات مستقلة متميزة ينظر اليها كغاية في ذاتها وليست وسيلة او بضاعة تباع وتشترى في السوق عكس التصور التشييئي للشخص، ويمكن أن نقف عند التصور الوظيفي الذي ينظر لدور الشخص ككائن يسهم المجتمع في صنعه باعتباره فردا واعيا قادرا على التفاعل مع الأخرين.
أما فيما يخص مسألة الحرية والحتمية فالنقاش حولها قديم وما زال يطرح الى اليوم بأشكال جديدة، فهناك الموقف المدافع عن حرية الشخص وقدرته على الاختيار والموقف المؤيد لأطروحة الحتمية التي تؤكد أن الإنسان خاضع لعدة حتميات فيزيائية، اجتماعية، نفسية.... من هنا نتساءل:
هل تقوم هوية الشخص على الوحدة والتطابق أم على التعدد والتغير؟ مامقومات هوية الشخص؟ هل تكمن قيمة الشخص في كونه غاية أم مجرد وسيلة؟ وهل الشخص ذات حرة أم كيان خاضع لاشراطاتع وحتميات؟ بمعنى هل الإنسان قادر على الإختيار أم أنه خاضع لمجموعة من الاشراطات؟ المحور الأول : الشخص والهوية اشكال المحور : هل تقوم هوية الشخص على الوحدة والتطابق أم على التعدد والتغير؟* موقف جول لاشوليي :تحليل نص: أساس هوية الشخص : طبعه وذاكرته.
جول لاشوليي
الإشكال الضمني للنص: ما أساس هوية الشخص ووحدته
؟أطروحة النص: ينفي صاحب النص وجود انا تابثا وأصيلا ويؤكد أن ما يضمن وحدة الشخص وهويته هو دوام نفس الطبع أو المزاج وترابط الذكريات.
حجاج النص:
· تقديمه لمجموعة من الوقائع من أجل دحض الفرضية التي تقول بوجود انا تابث وحقيقي:
- الإنسان الذي هو في حالة نوم ليس له انا او على الأقل ليس له الا أنا نتخيل يتبخر عندما يستيقظ.
- ان ضربة واحد على الرأس تكفي لحفر هوة عميقة بين انا اليوم وانا البارحة لأنها تشل ذكرياتنا.
- حالة بعض المرضى الذين لديهم أنا أول وانا أخر يتناوبان فيما بينهما واحدهما يعرف الأخر.
استنتاج :
نخلص في الأخير إلى أن المحدد الرئيسي للشخص هو هويته أي تطابقه مع ذاته وتميزه عن غيره بمعنى أن الشخص هو نفسه( هو هو) وانه مطابق لذاته كما أن وحدة الشخص وهويته ليست معطى اصليا في شعورنا بل هناك اليات نفسية تقوم بدور الحفاظ على وحدة الشخص وتطابقه وهما: دوام نفس المزاج أو الطبع وترابط ذكرياتنا بمعنى أنه لدينا نفس الطريقة الخاصة في رد فعلنا تجاه ما يؤثر علينا أي أن نفس العلامة تسم وتطبع رد فعلنا الأخلاقي وتطبع حالاتنا النفسية بطابع شخصي، كما أن ذكرياتنا تشكل على الأقل بالنسبة للقسم القريب من حياتنا سلسلة مترابطة الأطراف، فهناك ترابط بين الماضي والحاضر على مستوى الذاكرة. إن صاحب النص اذن ينتقد التصور الماهوي الذي يقول أن ماهية الشخص تشكل منذ البداية وانها شيء أو معطى قبلي موضحا أنهل ليست الا صدى لادراكاتنا الماضية في ادراكاتنا الحاضرة.
· موقف سيغموند فرويد: يقدم
"فرويد" تصورا ديناميا للشخصية باعتبارها جهازا يتكون من ثلاث مستويات وهي :
الهو – الانا والانا الأعلى. بالنسبة
" للهو" هو الجانب اللاواعي في الشخصية ويشمل الدوافع والغرائز والميولات، ويضم كل ما هو وراثي وفطري يحكمه مبدأ اللذة فما يهمه هو اشباع الرغبات ويشبهه فرويد بالمطية لأنه يمد الأنا بالطاقة اللازمة للتحرك، أما
" الانا "فهو جزء من الهو تكون بفعل اتصاله بالعالم الخارجي واحتكاكه به يعمل على تمثيل هذا الأخير لدى الهو ويعقلن رغباته يحكمه مبدأ الواقع ويشبهه "
فرويد" بالفارس الذي يوجه المطية نحو الهدف المحدد. في حين يعتبر "
الانا الأعلى" معطى مكتسب يضم جملة من القوانين والضوابط الأخلاقية، الدينية، الاجتماعية والسياسية... التي تتشكل عن طريق التربية والتنشئة الإجتماعية ويمكن تجسيده في الضمير.
والجدير بالذكر أن هذه المكونات الثلاث لاتو جد في انفصال واستقلال عن بعضها البعض بل تدخل في علاقات تفاعل يمكن تحديدها كالتالي:
· علاقة الأنا بالهو: يمارس الأنا نشاطا ضد الهو، من خلال التحكم في مطالبه إما بإشباعها الفوري اذا سمحت الرقابة بذلك أو بتأجيلها وكبحها حتى تكون الظروف مناسبة أو بخنقها وكبتها اذا استحالت امكانية اشباعها. لكن يمكن أن تنفلت في بعض الأحيان هذه المطالب والرغبات من قبضة الأنا وهكذا فالأنا يقوم بمهمة صعبة وهي التوفيق بين الميولات الغريزية وبين مقتضيات الانا الأعلى والواقع ومع ذلك فالأنا يبقى خادما وفيا للهو اذ يميل نحو اللذة ويتجنب الألم.
· علاقة الأنا بالأنا الأعلى: يحاول الأنا مراعاة مقتضيات الأنا الأعلى حين يعمل على اشباع غرائز الهو وفي حالة عصيان اوامر الأنا الأعلى يشعر الأنا بالذنب والدونية وتأنيب الضمير فالأنا الأعلى يرصد ويراقب تحركات الأنا ويفرض عليه قواعد معينة.
· علاقة الهو بالأنا الأعلى: هذه العلاقة ليست مباشرة بل يتوسطها الأنا ويطبع الصراع علاقة الهو بالانا الأعلى باعتبار الهو يمثل الأهواء والرغبات المبنية على مبدأ اللذة والمندفعة اندفاعا أعمى نحو الإشباع بينما يمثل الأنا الأعلى القوانين والقواعد والضوابط التي تحكم تصرفات وافعال وسلوكات الأنا ومن ثم يعمل هذا الأخير على التوفيق بين هذه المتطلبات وتلك المقتضيات مما يجعل مهمته صعبة قليلا ما ينجح في تحقيقها.
بناءا على ما سبق فان العلاقة بين هيئات الجهاز النفسي تتراوح مابين الصراع والتوافق حيث يقوم الأنا بدور التوفيق بين الهو من جهة والانا الأعلى والعالم الخارجي من جهة أخرى ولابراز صعوبة مهمة الانا يقول"
فرويد": " وهكذا يصارع الأنا وهو محاصر بين ضغط الأنا الأعلى ومطالب الهو وقوة الواقع من أجل ان ينجز مهمته في احداث نوع من التوافق والانسجام بين هذه القوى والتأثيرات المتفاعلة داخله والمؤثرة عليه من الخارج".