abdo2.mohrach إدارة الموقع
عدد المساهمات : 40 تاريخ التسجيل : 01/01/2009
| موضوع: نموذج تطبيقي لتحليل نص فلسفي السبت يناير 24, 2009 10:23 am | |
| تحليل نص فلسفي نموذج تطبيقييمكن تصنيف الحاجات تحت ثلاثة أبواب : البيولوجية والاجتماعية والنفسية .فأما "الحاجات البيولوجية" فهي تلك التي تعتمد على خصائص الإنسان الجسمية، وهي تضم عناصر معينة كحاجة الإنسان إلى الغداء والمسكن والى الحماية من الأعداء من غيره من بني الإنسان أو من الحيوان، وحاجته الى التناسل لتخليد النوع. وهذه الحاجات يشترك فيها الإنسان والحيوان، وهي في طبيعتها ملحة ويجب أن تلبى في الحال...وأما "الحاجات الاجتماعية" للكائنات البشرية، فتنشأ من تعود الإنسان العيش في جماعات. وهناك ولا ريب، حاجات مماثلة تظهر بأشكال بدائية جدا عند الحيوانات التي تميل إلى التجمع على شكل قطعان، ولكن هذه الحاجات تكتسب أهمية أكبر جدا عند الإنسان منها عند الحيوان بسبب الاعتماد الوثيق المتبادل بين أعضاء المجتمع البشري.....وأخيرا، نأتي إلى "الحاجات النفسية" وهذه حقيقية وإن كان من الصعب جدا تعريفها. فمن أهم وظائف أية ثقافة هي إدخال السعادة والرضا على نفوس الناس الذين يشتركون فيها. وتشعر جميع الكائنات البشرية برغبة الحصول على استجابات مشبعة من الأفراد الآخرين، وفي الحصول على أشياء يتعذر تحقيقها ( أو ووسائل سهلة لتحقيق هذه الأشياء)، كما تشعر بالحاجة إلى منافذ لمشكلاتهم السيكولوجية... ومهما يكن من أمر، فان هذه الحاجات في ذاتها غامضة وعامة وتتأثر بالتهيئة الثقافية للفرد، كما أن الاستجابات لها في الثقافات المختلفة تتباين تباينا لا حد له.السؤال: حلل النص وناقشه المرجع : في رحاب الفلسفة – السنة الأولى من سلك الباكلوريا- مسلك الآداب والعلوم الإنسانية ص:29 نموذج تحليل نص فلسفي من البديهي أن سلوك الإنسان لا يصدر بالجملة عن وعي شفاف دائم الحضور، ولا تحكمه إرادة واعية فحسب بل توجهه أيضا دوافع لاواعية وتحركه أهواء ورغبات منفلتة تؤكد أن الإنسان ليس كائنا ثقافيا واعيا فقط بل هو أيضا كائن طبيعي، منفعل وراغب إذن: ما طبيعة الرغبة الإنسانية ؟ وما علاقتها بالحاجة هل هناك استمرارية أم قطيعة بينهما؟
كإجابة على الإشكال المطروح يسعى صاحب النص الى إثبات فكرة مضمونها أن الحاجات الإنسانية متنوعة إذ يمكن تصنيفها تحت ثلاثة أبواب : بيولوجية، اجتماعية ونفسية وتقوم ثقافة المجتمع على توجيه رغبات الإنسان وتهذيبها بواسطة مؤسساته وقيمه. وللدفاع عن موقفه اعتمد بنية حجاجية أساسها التقسيم والمقارنة حيث استهل النص بتقسيم الحاجات الإنسانية إلى ثلاثة أصناف تتمثل في: الحاجات البيولوجية، الاجتماعية ثم أخيرا الحاجات النفسية. فالأولى في رأيه ترتبط بالجانب المادي (البيولوجي) للإنسان ويشترك فيها هذا الأخير مع الحيوان وتتسم بالضرورة والحتمية على أساس أن استمرارية الكائنات الحية متوقفة على إشباعها وتلبيتها ولتدعيم فكرته وظف مجموعة من الأمثلة تجسد الطابع الإلحاحي لهذه الحاجات : كالحاجة الى الغداء ، المسكن، الحماية ، التناسل...، أما الثانية أي الحاجات الاجتماعية فتتمظهر بشكل واضح في إطار الجماعات البشرية وذلك بفضل العلاقات الوثيقة القائمة بين أعضائها، لكن الحديث عن وجود هذه الحاجات بشكل متميز عند الإنسان واتخاذها لأشكال مختلفة بفضل تباين الثقافات وتنوعها لايلغي حضورها في الجماعات الحيوانية وان كان بأشكال بدائية وبسيطة حيث تميل هذه الأخيرة الى التجمع على شكل قطعان، وأخيرا تبقى الحاجات النفسية حسب تصور صاحب النص من أبرز الحاجات وأكثرها تعقيدا وتميزا ،إذ يشير إلى أنه من الصعب تحديدها ولكن يؤكد في نفس السياق أن كل إنسان يرغب في الحصول على استجابات مشبعة من الآخرين مما يتيح له إمكانية حل بعض مشاكله النفسية (السيكولوجية) وبالتالي بلوغ السعادة، ويلعب دائما المجتمع في هذا الإطار دورا هاما حيث يعمل من خلال مؤسساته وقيمه على تحديد كيفية إشباع هذه الحاجات التي تتحول في مجملها الى رغبات وما دام من البديهي أن الثقافات مختلفة ومتباينة فان ذلك يقود لامحالة الى تباين واختلاف طرق إشباع تلك الرغبات وبالتالي يمنحها نوع من الخصوصية، التميز والتجديد.
ترتيبا على ماسبق يتبين أن الحاجات الإنسانية باختلاف أصنافها تتحول في مجملها الى رغبات وذلك بفضل تدخل المجتمع من خلال آلياته، مؤسساته وقيمه هذه الأخيرة التي تضفي على حياة الإنسان طابعا خاصا يتسم بالتنوع والتجديد لكن هل يمكن الاقتصار على الجانب الاجتماعي الثقافي في رصد وفهم طبيعة العلاقة بين الحاجة والرغبة ألا يلعب الجانب النفسي دورا في تحقيق نظرة تتسم بالشمولية والكلية فيما يخص هذا الموضوع؟
في نفس السياق أكد الأنثروبولوجي الأمريكي" رالف لنتون" في مؤلفه "دراسة في الإنسان" أن المجتمع من خلال ثقافته وقيمه يلعب دورا هاما في تحويل كل الحاجات البيولوجية الى رغبات وذلك من خلال تقديم مثال" اللباس" الذي لم يعد من منظوره مجرد وسيلة لتحقيق وظائف بيولوجية وهي حماية الجسم من العوامل الخارجية (الحر والبرد) بل أصبح قادرا على تحقيق جملة من الوظائف الرمزية من بينها تمييز ثقافة عن أخرى ، تحديد مكانة الفرد داخل محيطه الإحتماعي، أضف إلى ذلك أنه أصبح موضوعا لإثارة اهتمام الجنس الأخر وتحريك رغباته الجنسية ناهيك عن كونه يوفر منفذا للميول الجمالية ويساعد على إشباع الرغبة في الحصول على إعجاب الآخرين.إن اللباس إذن تأسيسا على ماسبق وبفضل المجتمع وثقافته تحول من مجرد حاجة بيولوجية فرضتها قسوة العوامل الخارجية الى مجال للتعبير عن الذات والقناعات الخاصة وأيضا الانتماء الى حقل ثقافي معين يقول لنتون : " إن مركب الملابس قد اكتسب عددا من الوظائف التي لاترتبط من قريب أو بعيد بالحاجة البيولوجية الأساسية، ولا تتأثر بتغير درجة الحرارة من فصل لأخر".
إذا كانت الدراسات الأنثروبولوجية والسوسيولوجية في مجملها قد ركزت على البعد الإجتماعي والثقافي في تفسير وفهم العلاقة القائمة بين الرغبة والحاجة فان الدراسات السيكولوجية اتخذت منحى أخر من خلال التركيز على البعد النفسي فقد أكدت المحللة النمساوية " ميلاني كلاين" أن العلاقة بين الحاجة والرغبة علاقة نفسية لاشعورية تحكم حياة الإنسان وتوجهها في المستقبل إن هذا الطرح الذي قدمته كلاين جاء كحصيلة لمجموعة من الملاحظات والأبحاث الميدانية التي استهدفت بالدرجة الأولى الرضع وكذا الراشدين مما سمح بالكشف عن مجموعة من الحقائق العلمية من بينها أن علاقة الطفل بثدي أمه لاتختزل في البعد البيولوجي (أي الحصول على الطعام) بل تتعدى ذلك لتتحول الى رغبة تتمثل في التخلص من الدوافع التدميرية والقلق الاضطهادي وفي إطار الحديث عن هذه العلاقة بين الأم وصغيرها أكدت "كلاين" على غرار " سيغموند فرويد" قيمة الطفولة في بناء شخصية سوية إذ أشارت الى ضرورة اختيار الطريقة المثلى لإرضاع الطفل حيث ترى أن إرضاع هذا الأخير كلما بكى لايزيل عته قلقه بل يعمل على تعميقه لذا وجب الاعتماد على الطريقة المقننة مادامت تفسح المجال أمام الطفل للبكاء ومن ثم التعبير عن دوافعه وآلامه، إن السعي الدائم للأم من أجل إشباع حاجات طفلها قد يجعله يشعر بقلقها اتجاهه مما يعمق لديه نفس الشعور ويمنعه من التعبير عن ذاته من خلال البكاء إن هذه العلاقة الشيئية بثدي الأم قد تظل حاضرة عند بعض الراشدين مما يدل على أن هؤلاء لم تجد دوافعهم التدميرية منفذا للخروج من هنا تأكد " كلاين" إحباط بعض الرغبات عند الطفل وإرفاقها بتعزيزات وتشجيعات يفسح المجال له لتعبير عن ذاته بطرق عدة قد تتجسد مثلا في الأعمال الإبداعية كما تمكنه من اغناء شخصيته وتثبيت الأنا ومن ثم التكيف بشكل سليم مع العالم الخارجي.
لقد انتهى بنا مسار تحليل المشكل ومناقشته الى تأكيد التداخل والتماهي القائم بيت الحاجة والرغبة وذلك بالرغم من تعدد زوايا النظر فالدراسات الأنثروبولوجية أكدت فكرة استحالة فصل الحاجات عن الرغبات من خلال التركيز على دور المجتمع وثقافته وهو النفس الطرح الذي أكدته الدراسات السيكولوجية مع التأكيد على البعد النفسي ولهذا لايسعنا في نهاية المضاف إلا التأكيد على ضرورة تحقيق نظرة شمولية نستحضر من خلالها كل الأبعاد التي يمكن أن تساهم في فهم طبيعة العلاقة بين الرغبة والحاجة إن الحديث عن هذا الموضوع الذي يلامس بشكل قوي حياة الإنسان سيدفعنا الى الانفتاح على إشكال جديد يمكن صياغته كالتالي : هل يمكن من خلال تحقيق مجمل حاجيات ورغبات الإنسان الوصول الى السعادة؟
انجاز الأستاذة :أمال بولويز والأستاذ عبد الله محراش. | |
|